Saturday, October 29, 2011

الثورة المصرية وكفاح البروليتاريا


النظرة الناقصة الى الشعب
النظرة الناقصة إلى الشعب والى دوره في الثورة، تلك هي المشكلة ، ولا أقول بان البرامج لم تعط الشعب حقه من الناحية النظرية، من ناحية الكلام. ولكن إذا لم يكن الكلام مقدمة إلى العمل فانه يكون نوعا من التلهي وأحيانا نوعا من الخداع والتضليل. في السنين الماضية لم تمكّن الطبقة العاملة والأكثرية الكادحة من أبناء الشعب، من ان تقوم بكل دورها في المجال القومي والاجتماعي، وإذ لم تستعمل المصارحة، ولم تعط الحرية لأبناء الشعب كي يمارسوا دورهم، ويبنوا أوطانهم، وينشئوا مجتمعاتهم، ويدافعوا عن قضيتهم وقضية آمتهم. بل أريدَ لهم أن يكونوا تحت الوصاية،  وان يشكك في نواياهم وتحركاتهم، وان يوجهوا بالإيحاء والتلقين والخداع والتهويل أو التضليل.
ولو كانت النظرة نظرة احترام، ونظرة تقدير، ونظرة ثقة ومحبة، ونظرة مشاركة عميقة، لما لجأ الحاكمون إلى أساليب الدعاية المضللة والى فرض القيود والمراقبة والقمع والإرهاب، إذ من هو أحق بأن يبني الوطن، وينهض المجتمع، ويدافع ويقاتل؟ من الشعب صاحب الوطن، وصاحب المصلحة الكبرى في بناء المجتمع، وفي بقاء الأمة وتقدمها..؟
هناك فرقا أساسيا بين نظرة النماذج نصف الثورية ومدعي الديموقراطية التي تقول: مادامت الطبقة العاملة والطبقات الكادحة متخلفة فيجب أن تبقى تحت الوصاية وليس من الحكمة أن تعطى من الحقوق اكثر مما تستطيع ممارسته، وبين النظرة الثورية الحقيقية التي تقول: ما دامت هذه الطبقة هي أكثرية الشعب، فيجب ان توفر لها جميع الوسائل لكي تصبح هذه الطبقة قادرة على ممارسة حقوقها وعلى ممارسة حريتها. ولا يمكن أن تصل الطبقة العاملة الى مستوى القدرة والكفاءة المطلوبة لها حتى تبني الثورة، الا اذا مارست حقوقها بحرية، فقد تخطيء، ويجب أن تخطيء حتى تتعلم من الممارسة وحتى تصحح الأخطاء في الممارسة وحتى تدب في حياتها روح جديدة وحرارة جديدة هي حرارة الشعب العامل، فالشعب هو صاحب المصلحة في الاستقلال، وصاحب المصلحة في الحرية وفي السيادة، والوحدة، وصاحب المصلحة في التقدم وفي أن يرتفع مستوى الحياة ومستوى العيش في بلادنا.
لا يمكن أن نكون اشتراكيين، وان ندعي الاشتراكية، وان يبقى دور الطبقة العاملة محددا مراقبا وان ننظر إليها وكأننا لسنا منها وليست منا.
نحن جزء من الطبقة العاملة. فالاشتراكيون الصادقون يعتبرون أنفسهم جزءا من هذه الطبقة. الحكم الاشتراكي هو حكم منحاز الى الطبقة العاملة، ينظر الى إمكانياتها في المستقبل، أكثر مما ينظر الى نواقصها في الحاضر، وينظر إلى ما يمكن أن تعطيه وما يمكن أن تخلقه وتبدعه في حياة الأمة وفي معركة المصير، أكثر مما يمكن أن تقع فيه من أخطاء في الممارسة وفي الجزئيات والتفصيلات.
هذا هو التصحيح الحاسم الجذري الذي يطلب منه أن يطبع حياتنا وعملنا في السنوات العشر المقبلة، لتكون ثروتنا ثورة عميقة وصحيحة وقادرة أن تتكافأ مع وسائل الأعداء، ومع ما للأعداء من وسائل هائلة يضعونها كعوائق في طريق نهضتنا.
هذه القفزة هي ان تتغير النظرة إلى الطبقة العاملة والطبقات الكادحة، بان يعترف بحقوقها أولا وتطالب بواجباتها ثانيا. والطبقة العاملة تدرك مسؤولياتها التاريخية فهي لا تطالب بمكتسبات من اجل الرفاه ومن اجل الاستمتاع ومن اجل العيش المادي فحسب، بل لأنها بغريزتها وبوعيها الجديد تدرك بأنها هي أساس هذا الوطن، هي أساس هذه الأمة وأنها هي التي ستنزل إلى الشارع، وهي التي ستذهب الى الجبهة في يوم الشدة ويوم الخطر، منها المحاربون منها المقاتلون، وهي في أوقات السلم تبني بعرقها وجهدها هذه الخطوات والمشاريع لتنمية البلاد وتصنيعها والانتقال بها من التخلف إلى الرقي والحضارة.
لا أقول هذا لكي يغتر العمال ويزدادوا تعنتا. كلا، ولا اصدق ان الغرور يعرف طريقا إلى طبقاتنا الشعبية . فالطبقات الشعبية هي الطبقات الحانية على هذا الوطن، المحبة لهذه الأرض، وهي التي تضحي بصمت، تؤمن بالقيم الوطنية والإنسانية، أكثر من إيمانها بلقمة الخبز التي تسعى وراءها، أنها في أعماقها تضحي حتى بهذه اللقمة عندما تجد وطنها مهددا، فهي ليست بحاجة إلى نصح ووعظ.. النصح والوعظ يجب ان يوجها إلى الطبقات التي لا تقدر في أي ظرف نحن، ولا تقدر بأننا مهددون في وجودنا كأمة ولا تقدر بالتالي بان الوقت وقت حرمان وتقشف، وإعداد للمعركة وتهيئة لجو المعركة وان ما يجب أن يوفر للطبقات الشعبية ليس ترف، وليس منحة، وإنما وسيلة لكي تستطيع ان تبني الوطن وتدافع عنه.

وعي الطبقة العاملة
الطبقة العاملة بحكم وضعها الاجتماعي، بحكم وعيها الثوري، وبحكم وعيها الاشتراكي، تدرك أكثر من غيرها متطلبات الظرف الجديد، وتعرف بأننا مقبلون على سنين عصيبة قاسية، سنمتحن فيها في كفاءتنا على البقاء، في كفاءة الأمة العربية، هل تستطيع أن تدافع عن بقائها بالسلاح وبالذكاء، بالقتال وبالبناء، برفض التخلف بكل صوره وأشكاله والدخول دفعة واحدة إلى عالم النور والحضارة، إلى الحياة المنظمة، إلى الحياة المبدعة التي تطلق مواهب الإنسان بدلا من ان تقتل فيه حيويته ونوازع الخير والخلق فيه.
في مشاكلنا الداخلية، وفي علاقاتنا الخارجية، وفي روابطنا القومية تختلف الصورة تماما، بين ان يكون الدور الأساسي للطبقات الكادحة وفي طليعتها الطبقة العاملة وبين أن تكون هذه الطبقات معزولة عن القيادة، معزولة عن المشاركة. الطبقات الكادحة إنسانية بطبيعتها، بغريزتها، بتجربتها اليومية، مؤمنة بالتآخي بين الشعوب.



هناك فهم خاطيء عند الكثيرون عن مصطلح البروليتاريا أو الطبقة العاملة فهناك من يظن أن الطبقة العاملة هم فقط عمال المصانع أو العامل الذي يصنع بيده.. فتجد موظف حكومي يقول هما العمال عايزين ايه !؟وكأنه ليس عاملا !! بينما الطبقة العاملة هي في الأساس تنطبق على أي شخص إذا كان يكسب قوته من بيع عمله والحصول على أجر أو راتب مقابل وقت عمله. أما الرأسمالي أو البورجوازي فهو الذي يكسب ماله من القيمة الفائضة التي ينتجها العمال، بدلا من القيام بالعمل. لذا يقوم جني الرأسماليين لدخلهم على استغلال البروليتاريا. يقول ماركس أن الأفراد المنتمين إلى الطبقتين لهم مصالح مشتركة، لكن تعارض هذه المصالح مع أفراد إحدى الطبقتين، هو الذي ينتج صراع طبقي..
لا يمكن تخيّل غياب تأثير الحركة العمالية التي صعدت إلى قمّتها في السنوات الخمس الأخيرة وأصبحت أهم مراكز النضال ضد السياسات الاقتصادية لنظام مبارك، خاصة عندما بدأت برفع مطالب الحد الأدنى للأجور والحق بتأسيس النقابات المستقلّة. وقد كانت انتفاضة المحلة في أبريل/ نيسان 2008، بعد ثلاثة احتجاجات قوية لشركة غزل المحلة، أكبر دليل على تأثير الحركة العمالية في محيطها الاجتماعي. كذلك لا يمكن تجاهل وجود مجموعات كبيرة من العمّال ضمن الحركة منذ انطلاقها في 25 يناير/ كانون الثاني. والملاحظ أنّ المناطق ذات الطابع العمالي، مثل السويس والمحلة والإسكندرية، شهدت أقوى التظاهرات والمواجهات مع الأمن. لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أنّه في بداية الثورة وتطبيق حظر التجول لأوقات طويلة، كانت هناك صعوبة في تجمّع العمال في المنشآت التي أغلق أغلبها ومنح أجراؤها إجازة مدفوعة. ومع ذلك، ظهرت بوادر الإضرابات العمّالية الداعمة للثورة في السويس في شركتي الصلب والسماد. لكن مع تقليص فترات حظر التجول والسماح بتجمع العمال في أماكن العمل، تحوّلت الاحتجاجات العمالية إلى عاصفة حقيقية.
ففي السويس مثلاً، دعا إلى الاعتصام عمّال أكثر من عشر شركات، منها أربع شركات تابعة لهيئة قناة السويس، وإن لم تكن متصلة بالعمل في الممر الملاحي، بالإضافة إلى شركة لافارج للأسمنت والزجاج المسطح وغيرها. كذلك أعلن عمال الشركة المصرية للاتصالات اعتصاماً، وتظاهروا هاتفين «الشركة تريد إسقاط النظام» على غرار هتاف الثورة الشهير الذي عبر من تونس للقاهرة. عمال النظافة والتجميل بالجيزة بدأوا الاعتصام والإضراب وقطعوا أحد الشوارع الرئيسية في المنطقة، وهو ما فعله عمال شركة أبو السباع للغزل والنسيج بالمحلّة.
تلت الموجة الأولى من الاحتجاجات العمالية موجة أقوى، فنفّذ عمال الاتصالات تظاهرات أمام العديد من السنترالات بالقاهرة والمحافظات أسوة بزملائهم في شركة الاتصالات. وأضرب عمال ورش السكة الحديد، ودخل عمال هيئة النقل العام على خط الاحتجاجات العمالية، إذ بدأ موظفو ثلاثة فروع بالإضراب، ثم بدأت باقي الفروع تنضم لهم. ولم يتأخر عمال البريد الذين بدأوا بالتظاهر أمام مقرّ الهيئة الرئيسي بالعتبة، ثم توالت حركتهم بالمحافظات. ولم تخلُ منشآت حيوية مثل المطار وشركات الإنتاج الحربي من التحرّكات سواء بالإضراب عن العمل أو التظاهر والاعتصام. كذلك وصلت عاصفة النضال العمّالي إلى بعض شركات البترول والنسيج في حلوان وكفر الدوار. ولم تستثن التحركات القطاع الصحي، فأعلنت قطاعات التمريض الاعتصام في مستشفيات أسيوط وكفر الزيات والقصر العيني ومعهد القلب وغيرها. والحدث اللافت كان انتفاضة عمال المطابع والإدارة في مؤسسة روز اليوسف الصحافية ومنعهم عبد الله كمال، رئيس التحرير المقرّب من سلطة مبارك، وكرم جبر، رئيس مجلس الإدارة، من الدخول إلى المؤسسة. وكان عمال الجامعة العمالية قد سبقوهم إلى الاعتصام واحتجاز رئيس الجامعة مصطفى منجي، وهو نائب رئيس اتحاد العمال الموالي للدولة وعضو الحزب الوطني.
ليست هذه سوى عينة من الاحتجاجات العمالية التي لا تزال تتفجر في تسارع لم تعرفه مصر من قبل، وتوشك أن تتحول إلى إضراب عام. من التعسف القول إنّ كلّ تلك الاحتجاجات قامت لمساندة الثورة مباشرة، فبعضها قد رُفعت فيها بالفعل شعارات تأييد الثورة الشعبية، وردّد العمال هتافات الثورة ضد النظام وضد التوريث، وفي المقابل، اكتفى البعض برفع المطالب العمالية، سواء الاقتصادية أو النقابية. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال تأثر الحركة العمالية بالثورة وتأثيرها المحتمل فيها. فانتشار الاحتجاجات العمالية عقب الثورة يؤكد أنّها جزء من حالة الانتفاضة الثورية التي اندلعت في 25 يناير/ كانون الثاني. والملاحظ أيضاً أنّ التحركات انتشرت أكثر في المواقع العمالية التي سبق أن أعلنت الاحتجاجات وكان لها صداها وتأثيرها في المجتمع المصري.
الأهم الآن أنّ انفجار الحركة العمالية على هذا النحو، واحتمال تطورها بتأليف لجان لحماية الثورة ودعمها، كما يتردد في العديد من المواقع العمالية، يعطي طابعاً جديداً للثورة. فالحركة العمالية التي تحضر اليوم بقوّة في الثورة، هي نفسها التي عانت سياسات الخصخصة والتكيّف الهيكلي وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي. دخول الحركة العمّالية إلى قلب الانتفاضة، بنضالها وتنظيماتها التي تتطور في هذه الفترة، يضيف البعدين الاجتماعي والاقتصادي إلى الثورة المصرية التي لم تنته بعد.